منذ عقود وجيش ميانمار يقاتل مسلحي جماعة «كارين» العرقية وجماعات عرقية مسلحة أخرى تسعى إلى استقلال أكبر وُعدت به، لكنه لم يتحقق قط بعد استقلال البلاد عام 1948. ورغم تزايد الهجمات مؤخراً على قرى جماعة «كارين» العرقية، تقول امرأة من سكان هذه القرى، انتحلت اسم «باو» مخافةَ بالبطش بها، إن هناك الآن بصيص أمل وهذا يرجع في الأساس إلى أن قطاعاً أكبر من سكان ميانمار يواجهون الآن نقمة الجيش عليهم. وترى «باو» التي كابدت الفرار من هجمات الجيش، مثل والدتها وجدتها، إن المحتجين يعلمون الآن أن الجيش يعامل جماعة كارين وجماعات عرقية أخرى بوحشية لما رأوه من بطش الجيش بهم.
ومنذ أن أطاح جنرالات الجيش بالحكومة المدنية المنتخبة في مطلع فبراير الماضي، اندلعت احتجاجات على امتداد البلاد ضد المجلس العسكري الحاكم، ورد الجيش بحملة قمع وحشية. ويوضّح خبراء أن وحشية الجيش تجلت عاريةً أمام المحتجين الشباب لأول مرة، مما جعلهم يدركون المعاناة طويلة الأمد التي كابدتها الأقليات العرقية مثل كارين وغيرها من الجماعات الاثنية الأخرى.
ويقول ستيف جومير، رئيس جماعة «بارتنرز ريليف آند ديفلوبمنت» لتقديم الإغاثة التي تعمل في ميانمار منذ 27 عاماً، إن الانقلاب كان حافزاً على تغيير المفاهيم والأفكار لأن النظام لا يقتل أطفال الأقليات ويحرقهم أحياء فقط، بل يقتل فعلياً شعبه. وهذا التعاطف المشترك يساعد على تعزيز الدعم لمسعى سياسي شاق من بقايا القيادة المدنية التي أطيح بها من الحكم لتشكيل حكومة اتحادية جديدة وجيش جديد به ممثلون للأقليات العرقية وأجنحتها العسكرية. ويرى بعض المحللين أن هذا المسعى، إذا نجح، قد يساعد في منع حرب أهلية طويلة الأمد أو تحول البلاد إلى «دولة فاشلة».
وقد دأب الجيش، على مدار عقود، على الترويج لدعاية تحابي القومية البوذية وسط جماعة «بامار» العرقية التي تمثل ثلثي السكان، بينما تذكي العداء مع الجماعات العرقية التي تقيم في المناطق الحدودية. فأثناء الحملة العسكرية على إحدى الجماعات العرقية عام 2017، كان كثيرون من عرقية بامار يصدِّقون دعاية الجيش بأن الأقليات العرقية تمثل تهديداً لأمن البلاد. أما الآن، فقد أصبح الجمهور ينظر إلى الجيش باعتباره التهديد الحقيقي، بحسب قول خبراء. لقد تسببت حملة الجيش في مقتل 600 شخص واحتجاز نحو 3000 آخرين، من بينهم الزعيمة البارزة «أونج سان سو شي» ومسؤولون كبار آخرون.
وفي الأسابيع القليلة الماضية، عبّر كثيرون من جماعة بامار عن أسفهم لعدم مبالاتهم أو عداوتهم في الماضي للأقليات العرقية، والتي أصبحت الآن تنضم إلى المحتجين أو تؤيدهم. ويرى سكوت مارسيل، السفير الأميركي السابق في ميانمار، أن من العناصر الإيجابية فيما حدث هو بداية ظهور حوار وطني طال انتظاره حول كيفية التعامل مع الجماعات العرقية المختلفة. وهذا التحول في المزاج على المستوى القومي يحفّز على تقارب الأهداف السياسية بين الجماعات العرقية التي تكافح من أجل تقرير المصير ورغبة الجمهور الأوسع في الإطاحة بالمجلس العسكري.
وهناك محادثات بين زعماء الجماعات العرقية وطائفة من المشرّعين المنتخبين الذين لم يعتقلوا ويعملون في الخفاء. وأعلن هؤلاء المشرعون في الأيام القليلة الماضية إلغاء دستور ميانمار لعام 2008 الذي كفل سلطات كبيرة للجيش، بما في ذلك السيطرة على وزارات محورية وربع المقاعد في البرلمان. وأحلَّ المشرعون محلَّه ميثاقاً يستهدف إقامة «اتحاد ديمقراطي فيدرالي» يتخلص من الاستبداد ويحقق السلام، ويمنح «حقوقاً متساوية وحق تقرير المصير» لكل الجماعات العرقية. وقد انتهزت المنظمات التي تمثل جماعات ميانمار العرقية الأساسية الفرصةَ للتغلب على الخلافات وللعمل مع هؤلاء المشرعين لوضع دستوري فيدرالي جديد.
وعبّرت جماعات مسلحة عرقية كبيرة عن رغبتها في الانضمام للقوات النظامية لإقامة جيش اتحادي. ويرى جوناثان ليلجبلاد، وهو ميانماري ناشط في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني في يانجون والمناطق العرقية منذ عام 2014، أنه إذا اتحدت قوات الجماعات المسلحة العرقية التي يقدر عددها إجمالاً بأكثر من 100 ألف جندي، فهذا سيجعل الجيش القومي البالغ قوامه 350 ألفاً يعيد التفكير في سياسته العرقية.
ويرى جيسون تاور، مدير فرع «المعهد الأميركي للسلام» في ميانمار، أنه إذا بدأ الضغط المتزايد على الجيش يغير الأوضاع، فستكون «هناك حاجة إلى من يتقدم ويملأ الفراغ». ويتوقع أنه إذا لم يحدث هذا فمن المحتمل أن تكون هناك أربع جبهات أو خمس جبهات عرقية مسلحة تقاتل الجيش القومي. والواقع أن هناك تقارير متفرقة من داخل ميانمار تشير إلى اكتساب الجماعات المسلحة العرقية زخماً استثنائيا واستقطابها متطوعين جدداً، مع ترك بعض المحتجين المدن وتلقيهم تدريباً عسكرياً من الجماعات المسلحة العرقية.
آن سكوت تايسون
كاتبة متخصصة في الشؤون الآسيوية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»